للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب, والقاف لصلابتها لليابس حذوًا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث.

ومن ذلك قولهم: التضح للماء نحوه والنضح أقوى من النضح, قال الله سبحانه: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} ١ فجعلوا الحاء -لرقَّتها- للماء الضعيف, والخاء -لغلظها- لما هو أقوى منه.

ومن ذلك القدّ طولًا والقط عرضًا. وذلك أن الطاء أحصر٢ للصوت وأسرع قطعًا له من الدال, فجعلوا الطاء المناجزة٣ لقطع العرض؛ لقربه وسرعته, والدال المماطلة لما طال من الأثر وهو قطعه طولًا.

ومن ذلك قولهم: قرت الدم وقرد الشيء وتقرّد وقَرَطَ يقرط, فالتاء أخفت٤ الثلاثة, فاستعملوها في الدم إذا جفَّ؛ لأنه قصد ومستخف في الحسِّ عن القردد الذي هو النباك في الأرض ونحوها. وجعلوا الطاء -وهي أعلى الثلاثة صوتًا- "للقرط"٥ الذي يسمع, وقرد، من القرد, وذلك لأنه موصوف بالقلة والذلة, قال الله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ٦.

ينبغي أن يكون "خاسئين" خبرًا آخر ل"كونوا", والأول "قردة", فهو كقولك ٧: هذا حلو حامض وإن جعلته وصفًا ل"قردة" صغر معناه، ألا ترى أن القرد لذله


١ آية: ٦٦، سورة الرحمن.
٢ كذا في أ، وفي ج: "أخصر" وفي ب: أخص", وفي ش: "أخفض", ويبدو فيها الإصلاح وكان أصلها أخص وهو ما في ب، وكلاهما تحريف عن أحصر.
٣ كذا في أ. وفي ش: "للمناجزة" وفي ب: "المناجرة".
٤ كذا في ش، أ، ب. وفي ج: "أخف" وأخفتها: أخفاها صوتًا. والخفت: إسرار النطق.
٥ يقال: قرط الكراث: قطعة في القدر، والقرط يسمع له صوت؛ إذ كان قطعًا وشقًّا.
٦ آية: ٦٥، سورة البقرة.
٧ الأخلق بما نحن فيه أن يكون كقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} مما يصحّ الاقتصار فيه على أحد الخبرين أو الأخبار, وأما "هذا حلو حامض" فالخبران في قوة خبر واحد، وهو "مزّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>