للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفلا ترى إلى تشبيههم الحروف بالأفعال وتنزيلهم إياها على احتذائها.

ومن ذلك قولهم: الوسيلة والوصيلة, والصاد -كما ترى- أقوى صوتًا من السين لما فيها من الاستعلاء, والوصيلة أقوى معنى من الوسيلة. وذلك أن التوسّل ليست له عصمة الوصل والصلة, بل الصلة أصلها من اتصال الشيء بالشيء ومماسته له, وكونه في أكثر الأحوال بعضًا له؛ كاتصال الأعضاء بالإنسان وهي أبعاضه, ونحو ذلك, والتوسل معنى يضعف ويصغر أن يكون المتوسّل جزءًا أو كالجزء من المتوسل إليه. وهذا واضح. فجعلوا الصاد لقوتها للمعنى الأقوى، والسين لضعفها للمعنى الأضعف.

ومن ذلك قولهم: "الخذا" في الأذن، "والخذأ: الاستخذاء"١, فجعلوا الواو في خذواء٢ -لأنها دون الهمزة صوتًا- للمعنى الأضعف, وذلك لأن استرخاء الأذن "ليس"٣ من العيوب التي يسبّ بها, ولا يتناهى في استقباحها. وأما الذل فهو من أقبح العيوب وأذهبها في المزراة والسب, فعبروا عنه بالهمزة لقوتها, وعن عيب الأذن المحتمل بالواو لضعفها. فجعلوا أقوى الحرفين لأقوى العيبين, وأضعفهما لأضعفهما.

ومن ذلك قولهم: قد جفا الشيء يجفو, وقالوا: جفأ الوادي بغثائه٤، ففيهما كليهما٥ معنى الجفاء لارتفاعهما, إلّا أنهم استعملوا الهمزة في الوادي لما هناك من حفزه٦، وقوة دفعه.


١ كذا في أ، ب. وفي ش؛ "والحذأ والاستخذاء" وواو العطف يبدو أنها ملحقة إصلاحًا، وكتب في الهامش بعد هذا: "في الذل" و"صح".
٢ كذا في أ. وفي ش، ب: "الحذراء" أي: في قولهم أذن خذواء وصفًا من الحذا.
٣ كذا في أ، ب. وسقط في ش. وفي ج. "ليس من العيوب التي يتناهى في اسقباحها".
٤ كذا في ش، ب وفي أ: "بعبابه". وفي اللسان: جفأ الوادي غثاءه يجفأ جفأ: رمى بالزبد والقذى.
٥ كذا في ش، ب. وفي أ: "كلتيهما".
٦ كذا في أ، ج. وفي ش، ب: "حفره".

<<  <  ج: ص:  >  >>