للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قولهم: صعد وسعد, فجعلوا الصاد -لأنها أقوى- لما فيه أثر مشاهد يرى، وهو الصعود في الجبل والحائط ونحو ذلك. وجعلوا السين -لضعفها- لما لا يظهر ولا يشاهد حسًّا, إلا أنه مع ذلك فيه صعود الجد لا صعود الجسم, ألا تراهم يقولون: هو سعيد الجدّ, وهو عالي الجد, وقد ارتفع أمره وعلا قدره. فجعلوا الصاد لقوتها مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشمة, وجعلوا السين لضعفها فيما تعرفه النفس وإن لم تره العين, والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.

فإن قلت: فكان يجب على هذا أن يكون الخذا في الأذن مهموزًا, وفي الذل غير مهموز؛ لأن عيب الأذن مشاهد, وعيب النفس غير مشاهد, قيل: عيب الأذن وإن كان مشاهدًا فإنه لا علاج فيه على الأذن, وإنما هو خمول وذبول ومشقة الصاعد ظاهرة مباشرة١ معتدة متجشمة, فالأثر فيها أقوى, فكانت بالحرف الأقوى -وهو الصاد- أحرى.

ومن ذلك أيضًا: سدَّ وصدَّ؛ فالسد دون الصد؛ لأن السد للباب يسد, والمنظرة ونحوها, والصد جانب الجبل والوادي والشعب, وهذا أقوى من السد الذي قد يكون لثقب الكوز٢ ورأس القارورة ونحو ذلك, "فجعلوا الصاد لقوتها للأقوى، والسين لضعفها، للأضعف"٣.

ومن ذلك القسم والقصم, فالقصم أقوى فعلًا من القسم؛ لأن القصم يكون معه الدق, وقد يقسم بين الشيئين فلا ينكأ أحدهما, فلذلك خصت بالأقوى الصاد وبالأضعف السين.


١ كذا في ش، أ، وفي ب: "مباصرة".
٢ كذا في ش، ب، ج. وفي أ: "الكثرة".
٣ ما بين القوسين ساقط من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>