للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قول العرب: أعطيتك إذ سألتني وزدتك إذ شكرنني. ف"إذ" معمولة العطية والزيادة, وإذا عمل الفعل في ظرف زمانيًّا كان أو مكانيًّا, فإنه لا بُدَّ أن يكون واقعًا فيه, وليست العطية واقعة في وقت المسألة, وإنما هي عقيبه؛ لأن المسألة سبب العطية, والسبب جارٍ مجرى العلة, فيجب أن يتقدَّم المعلول والمسبب؛ لكنه لما كانت العطية مسببة عن المسألة وواقعة على أثرها, وتقارب وقتاهما, صار لذلك كأنهما في وقت واحد. فهذا تجاور في الزمان, كما أن ذاك تجاور في الإعراب.

ومنه قول الله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ١. طاولت أبا علي -رحمه الله تعالى- في هذا وراجعته فيه عودًا على بدء, فكان أكثر ما٢ برد منه في اليد أنّه لما كانت الدار الآخرة تلي الدار الدنيا لا فاصل بينهما, إنما هي هذه فهذه, صار ما يقع في الآخرة كأنه واقع في الدنيا, فلذلك أجرى اليوم وهو الآخرة٣ مجرى وقت٤ الظلم وهو قوله: إذ طلمتم ووقت الظلم إنما كان في الدنيا. فإن لم تفعل هذا وترتكبه بقي "إذا ظلمتم" غير متعلق بشيء, فيصير ما قاله أبو علي إلى أنه كأنه أبدل "إذ ظلمتم" من اليوم, أو٥ كرره عليه, وهو كأنه هو.

فإن قلت: لم لا تكون "إذ" محمولة على فعل آخر, حتى كأنه قال: ولن ينفعكم اليوم أنكم في العذاب مشتركون "اذكروا" إذ ظلمتم, أو نحو ذلك.


١ آية: ٣٩، سورة الزخرف.
٢ كذا في أ، ب، ج. وفي ش: "برز". ويقال: بررالشيء في اليد: أي: ثبت.
٣ كذا في ش، ب. وسقط في أ.
٤ خرج من هذا الإشكال متأخرو النحاة بأن إذ في الآية لمحض التعليل، وليست للوقت، فلا يطلب لها فعل يقع فيه. وانظر المغني في ترجمة "إذ".
٥ كذا في ش، ب، ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>