للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: ذلك يفسد من موضعين: أحدهما اللفظ والآخر المعنى, أما اللفظ فلأنك تفصل بالأجنبي -وهو قوله: "إذ ظلمتم"- بين الفعل وهو "ينفعكم", وفاعله وهو "أنكم في العذاب مشتركون", وأنت عالم بما في الفصل بينهما بالأجنبي. وإن كان الفصل بالظرف متجوزًا فيه. وأما المعنى فلأنَّك لو فعلت ذلك لأخرجت من الجملة الظرف الذي هو "إذ ظلمتم", وهذا ينقض معناها. وذلك لأنها معقودة على دخول الظرف الذي هو "إذ" فيها, ووجوده في أثنائها, ألا ترى أن عدم انتفاعهم بمشاركة أمثالهم لهم في العذاب إنما سببه وعلته ظلمهم, فإذا كان كذلك كان احتياج الجملة إليه نحوًا من احتياجها إلى المفعول له، نحو قولك ١: قصدتك رغبة في برِّك, وأتيتك طمعًا في صلتك, ألا ترى أن معناه: أنكم عدمتم سلوة التأسِّي بمن شارككم في العذاب لأجل ظلمكم فيما مضى, كما قيل في نظيره: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ٢ أي: ذق بما كنت تعد في أهل العز والكرم. وكما قال الله تعالى في نقيضه: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} ٣. ومن الأول قوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} ٤ ومثله في الشعر كثير, منه قول الأعشى:

على أنها إذ رأتني أُقَاد ... تقول بما قد أراه بصيرا٥


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "قولهم".
٢ آية: ٤٩ سورة الدخان.
٣ آية: ٢٤ سورة الدخان.
٣ آية: ٦١ سورة البقرة.
٤ "أنها كذا في أ. وفي ش، ب: "أثنى". "أفاد". كذا في أ. وفي ش. ب: "تقاد". وقوله: "بما قد أراه". "ما" هنا كفَّت الباء عن الجزء وأحدثت معها معنى التقليل. ف"يما" تساوي ربما. انظر المغني في مبحث الباء المفردة. وابن جني هنا لا يرى هذا, ويرى أنها هنا بمعنى البدل. فقوله: بما قد أراه بصيرًا. أي: الضعف المشاهد الآن, وسوء البصر بدل ما قد مضى من الفترة وصحة البصر، وانظر قوله هنا: أي هذا الضعف بتلك القوة. والشعر للأعشى في الصبح المنير ٦٩.
وما سقته عن الغني هو رأي أبي عمرو، فقد قال: "بما بمعنى ربما" وانظر شرح ثعلب. ورأي ابن جني تبع فيه الأصمعي. فقد قال: "قالت بما قد أراه. هذا العمى: بداك البصر، أي: هذا بذباك".

<<  <  ج: ص:  >  >>