للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميلًا وإنما يرغب فيه بأن ينبه عليه, ويعظم من قدره, بأن يصوره في النفوس١ على أشرف أحواله، وأنوه٢ صفاته. وذلك بأن يتخيل شخصًا متجسمًا٣ لا عرضًا متوهمًا. وعليه قوله ٤:

تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير

"أي: فباديه إلى الخافي يسير"٥ أي: فباديه مضمومًا إلى خافيه يسير. وذلك أنه لما وصف الحب بالتغلغل فقد اتسع به٦؛ ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول ٧:

شكوت إليها حبها المتغلغلا ... فما زادها شكواي إلا تدللا٨

فيصف بالمتغلغل٩ ما ليس في أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل, إنما وصف يخصّ الجواهر لا الأحداث؛ ألا ترى أن المتغلغل في الشيء لا بُدَّ أن يتجاوز مكانًا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع.

وأما التشبيه فلأنه شبَّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل, وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوة الجوهرية.


١ كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "النفس".
٢ ط: "أنزه".
٣ كذا في د، هـ، ز. وفي ش: "مجسمًا". وفي ط: "بأن يتخيل جسمًا مصورًا، وشخصًا متجسمًا".
٤ أي: عبيد الله بن عبد لله بن عتبة بن مسعود. وانظر الحماسة "التجارية" ٣/ ٢٩٨، والقالي ٣/ ٢٢٣، والأغاني ٨/ ٩٤. وفي المختار من شعر بشار ١٥٤, نسبته إلى الحارث بن خالد المخزومي.
٥ سقط ما بين القوسين في ش.
٦ كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "فيه".
٧ كذا في د، هـ، ز. وفي ش، ط: "يقول".
٨ الشطر الأخير في ش هكذا:
فما زادني شكواي إلا تذللًا.
٩ في ط: "بالتغلغل".

<<  <  ج: ص:  >  >>