للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت من الخفاء على ما ذكرنا وهي متحركة ازدادت خفاء بالسكون نحو محياي فأشبهت حينئذ الحرف المدغم. ونحو من ذلك ما يحكى عنهم من قولهم: "التقت حلقتا البطان " بإثبات الألف ساكنة في اللفظ قبل اللام, وكأن ذلك إنما جاز ههنا لمضارعة اللام١ النون؛ ألا ترى أن في مقطع اللام غنة كالنون وهي أيضًا تقرب من الياء حتى يجعلها بعضهم في اللفظ ياء, فحملت اللام في هذا على النون كما حملت أيضًا عليها في لعلي, ألا تراهم كيف كرهوا النون من لعلني مع اللام, كما كرهوا النون في إنني وعلى ذلك قالوا: هذا بِلْوُسَفَر وبِلْىُ سفرٍ٢, فأبدلوا الواو ياء لضعف حجز اللام كما أبدلوها "في قِنْية " ياء لضعف حجز النون, وكأن "قنية " -وهي عندنا من "قنوت " - و "بِلْيًا " أشبه من عِذى٣ وصبيان, لأنه لا غنة في الذال والباء ٤. ومثل "بِلى " قولهم: فلان من عِلْيَه الناس, وناقة عِلْيَان ٥. فأما إبدال يونس هذه النون في الوقف ألفًا وجمعه بين ألفين في اضرباا, واضربناا, فهو الضعيف المستكره الذي أباه أبو إسحاق وقال فيه ما قال٦.

ومن الأمر الطبيعي الذي لا بد منه ولا وَعْىَ٧ عنه, أن يلتقي الحرفان الصحيحان فيسكن الأول منهما في الإدراج فلا يكون حينئذ بد من الإدغام،


١ أي فأشبه اجتماع الساكنين في "حلقتا البطان" اجتماعهما في اضربان على رأي يونس.
٢ هكذا بتقديم الواوي على اليائي في أ، ج. وفي ش، ب بتقديم اليائي. وبلو سفر، وبلى سفر: بلاء السفر والتجارب وحنكته مداورة الشئون.
٣ العذى: الزرع لا يسقى إلا من ماء المطر لبعده عن الياء والعيون، وقد جعل ابن جني الياء فيه مبدلة من الواو، وهذا رأي في اللغة، ويرى بعضهم كصاحب القاموس أن الياء أصلية فيه.
٤ هكذا بالياء الموحدة كما في أ، ب. وفي ش والمطبوعة "بالياء" وهو تصحيف، والمراد الذال في عذى والباء في صبيان.
٥ يقال: ناقة عليان أي مشرفة، وصوت عليان: جهير.
٦ انظر ص٩٠ من هذا الكتاب.
٧ يقال: لا وعى لي عن هذا الأمر؛ أي لا بد لي منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>