للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو قولك: شد وصب وحل فالادّغام واجب لا محالة ولا يوجدك اللفظ به بدًّا منه. والمنفصلان نحو قولك: خذ ذاك ودع عامرا. فإن قلت: فقد أقدر أن أقول: شدد وحلل فلا أدغم, قيل: متى تجشمت ذلك وقفت على الحرف الأول وقفة ما وكلامنا إنما هو على الوصل. فأما قراءة عاصم: "وقيل من راق " ببيان النون من "من " فمعيب في الإعراب, معيف في الأسماع وذلك أن النون الساكنة لا توقف في وجوب ادّغامها في الراء نحو: من رأيت ومن رآك فإن كان ارتكب ذلك ووقف على النون صحيحة غير مدّغمة, لينبه به على انفصال المبتدأ من خبره فغير مرضي أيضًا ألا ترى إلى قول عدي ٢:

من رأيت المنون عرين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير٣

بإدغام نون "من " في راء رأيت. ويكفي من هذا إجماع الجماعة على ادّغام {مَنْ رَاقٍ} وغيره مما تلك سبيله. وعاصم في هذا مناقض لمن قرأ: "فإذا هيتلقف " ٤, بإدغام تاء تلقف. وهذا عندي يدل على شدة اتصال المبتدأ بخبره فإذا صارا معًا ههنا كالجزء الواحد فجرى " هيت " في اللفظ مجرى خدب وهجف ولولا أن الأمر كذلك للزمك أن تقدر الابتداء بالساكن, أعني تاء المضارعة من " تتلقف ". فاعرف ذلك. وأما المعتلان فإن كانا مدين منفصلين فالبيان لا غير, نحو: في يده وذو وفرة،


١ كذا في ش. وفي أ، ب: "الاستماع"، وقد كان خيرا لابن جني أن ينزه لسانه عن الوقوع في القراءة الصحيحة المتواترة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وغاب عنه أن عاصمًا -وتبعه حفص- يسكت على "من" سكتة لطيفة ثم يبتدئ "راق" وعلى ذلك فلا سبيل إلى الإدغام، وهذه السكتة قصد بها دفع اللبس وألا يتوهم أن "من راق" هي مرّاق فعال من مرق, وانظر النشر ١/ ٤١٩ طبعة دمشق، والآلوسي والقرطبي في تفسير سورة القيامة.
٢ يريد عدي بن زيد، وانظر القصيدة في الأغاني ص١٢٨ ج٢ طبعة الدار.
٣ عرين: أي تركن وأهملن؛ تقول: عربت الشيء خليته وأهملته. وفي اللسان في "منن": "عزين" في مكان "عرين"، وفي رواية الأغاني مكانهما: خلدن.
٤ هو البزي كما في البحر المحيط ص٣٦٣ ج٤. ويريد قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} آية ١١٧ سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>