للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحكوم، والقوي يلين للضعيف. كل ذلك بقلوب مطمئنة، ونفوس راضية تحقيقا لدعوة الحق "بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وساروا في كل أمورهم على الشورى، فلم تعرف دولة الإسلام في أول أمرها حكما صدر من مركز السيادة والقيادة، بل كان الرسول نفسه وهو الملتقي الوحي عن الله لا يبرم أمرا من أمور الدنيا إلا إذا جمع أكبر عدد من الصحابة وقلب الأمر بينهم، فإذا ما أجمعوا على شيء نفذ رأيهم ولو كان مخالفا لما يراه هو، وكثيرا ما جاء القرآن الكريم مؤيدا لآراء الصحابة فيما رأوه متصلا بأمور دنياهم، وكان ذلك تأكيدا من الله لنبيه وللناس من بعده، أن جماعية الرأي بعد التشاور والبحث والتقصي تعصم الأمم من الزلل وتحميها من الوقوع تحت رغبات ماجن أو عابث أو مجنون أو مضلل، وقد صان هذا المبدأ الدولة الإسلامية في عصر النبي وعصور الخلفاء الراشدين من بعده. واستطاعت في فترة قليلة من الزمن أن يمتد سلطانها الروحي والفكري في ربوع المشرق والمغرب. وكان الناس في الأمم الأخرى يدخلون إلى الإسلام عن اقتناع ويقين، أن هذا هو الدين الحق، وأن مبادئه هي التي تكفل لهم الأمن والاستقرار، وترفع عن كاهلهم تسلط السادة واستبداد الحكام.

ولم تستطع أمة النيل من المسلمين إلا بعد أن تركوا هذه المبادئ وتفشت فيهم رذائل شهوات الحكم، وتغلب عليهم الهوى الشخصي, ووجد الحكام المستبدون، وضعفت روابط الإيمان في قلوبهم فقل شعورهم بالمسئولية، ونظر بعضهم إلى بعض كوحدات مبعثرة لا يربطها رابط، وابتعد أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن ميادين الحياة، إما خوفا وإما يأسا من اتباع ما يقولون وحق على الجميع قول الله تبارك وتعالى:

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ

<<  <   >  >>