للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفلاحين أو غيرهم وصيامه يؤدي إلى زيادي قوته وقدرته على العمل، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن أثر الصوم الطبي الذي أشرنا إليه إنما يتعدى من الإنسان إلى الحيوان أيضا. والوثنيون يعرفون الصوم طريقا من طرق الرياضة النفسية، وبه يتدربون على مقاومة الشهوات وتربية الروح وترقية الوجدان، وصوم الزعيم "غاندي" الشهور الطوال ليس بخاف على أحد، ولست مغاليا إذا قلت أن الصوم معروف عند كل كائن حي حتى النبات فالأرز مثلا له فترة "يصوم فيها عن الماء" ولو فرض وأصابه ماء في هذه الفترة قل الإنتاج إن لم يتلف نهائيا, وكذلك القمح وغير ذلك مما هو معروف لدى علماء النبات والحيوان. وهذه حكمة إلهية اقتضتها تعادلية الكون، واتساق بنائه وتكوينه. وفي يقيني أن الصوم عملية فطرية يشعر المرء بالحاجة إليها في فترات مختلفة ... وقد أخذت بها أشهر مصحة في العالم الآن "مصحة الدكتور هنريج لاهمان في درسدن في سكسونيا" حيث يقوم العلاج فيها بالصوم.

ومن هنا نستطيع أن نقرر أن الصوم أحد أركان الإسلام الأساسية عبادة إنسانية راقية تقوي الجسد، وتصلح النفس وتهذب الروح، وتساعد على غرس الأمانة في نفوس النشء، وإن كانت التربية الحديثة تعمد إلى طرق عملية في تعويد الطفل الأمانة, فليست هناك طريقة تماثل الصوم، حيث يترك طعامه وشرابه بوحي من ضميره، ووازع من نفسه يجعله يخشى الله في كل ما يقول ويعمل؛ لأنه بالصوم يتعلم أن الرقيب الأسمى على كل شيء إنما هو الله خالق الكون ومانحه العافية والقدرة.

وصوم المسلمين ليس هو الإمساك عن الطعام والشراب والجنس, وإنما هو الإمساك عن كل ما يخالف الإيمان والفضيلة والخلق وما لا يتفق وفضيلة

<<  <   >  >>