وتأدية ما يجب له من الجلال والعظمة والتقدير، وجاء الأمر بذكر "الناس" لا يذكر المسلمين ليبين أن الإسلام فوق أنه دين عام شامل لكل بني البشر، فهو دين الإخاء والمساواة والاجتماع والألفة, قال تعالى في سورة الحج مخاطبا إبراهيم عليه السلام:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
وكان التعبير الإلهي بقوله:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} بيان لأن الحج فوق أنه عبادة روحية، ينطلق فيها المرء بكليته -ماله وصحته وآماله- إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه يعد مؤتمرا عاما للمسلمين، يباشرون فيه أمور حياتهم، ويناقشون فيه قضاياهم، ويحلون مشكلاتهم، ويدرسون رغبات المسلمين وحاجاتهم أينما كانوا. وإن كان الناس قد انصرفوا عن ذلك, واتخذوا لهم مسلكا خاصا فيما يقولون ويفعلون في الحج فإن ذلك يعد تقصيرا من المسلمين وترك ركن هام من أركان الحج، الذي أتصور أنه من أهم أسباب فرض هذه الفريضة ودعوة كل الناس إليها.
وقد تحددت فريضة الحج على المسلمين بقول الله تعالى في سورة آل عمران:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .
ففي الآية السابقة من سورة الحج نداء، وفي هذه الآية فرض ولازم. وربط الحج بالاستطاعة إنما يدل على يسر الإسلام وسماحته، وإنه دين لا تشدد فيه ولا تزمت، إنما هو دين الرحمة، الذي يحرص في كل أمر من أوامره على سلامة الإنسان وأمنه وسعاته بدينه ودنياه وآخرته. لذلك كانت فريضة الحج على كل "مسلم بالغ، عاقل، حر، مستطيع" والاستطاعة هنا تعني ماليا. وجود ما يكفي حجه وعودته والإنفاق على من يجب عليه