وإذا ما انتهت مناسك الحج حلق الرجل شعر رأسه أو قصره بأي قدر يشاء، ويحل له بعد ذلك ما كان محرما عليه في الإحرام إلا النساء وفي هذا بيان للنفس الإنسانية إنها مطالبة بأن تتجرد من كل أحوالها الدنيوية في وقت من الأوقات لتصفو فيها لله وحده، ولتقاوم النقائص البشرية التي تستهلك الإنسان في صبحه ومسائه. وكان ذلك في الحج أولى وأشد لتتمكن شعائر الحج من نفوس الحجاج وتنقلهم بالفعل من ماديتهم إلى الروحانية المقصودة من تلك الفريضة. وما أعظمه من أدب ذلك الذي يلزم الحاج بأن يغتسل ويتطهر ويطوف طواف الوداع شاكرا الله على ما أولاه من نعمه، وما تكرم عليه به من قدرة وصحة أعانته على أداء الفريضة، وطرح ما عليه من غبار الحياة، ومكنته من رؤية تلك البقاع الطاهرة التي شهدت الوحي وسار على رمالها خير الأنبياء وأعظم الرسل. وبطواف الوداع ينتهي المرء من حجه، وبروح تلك الأداب عليه أن يسلك طرق الحياة وأن يخوض غمارها.