للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمثلان نوعا من التجرد لله تعالى والتسليم لأوامره، تلك الأوامر التي يجب أن يتمثلها المؤمنون في غدوهم ورواحهم ليكون لهم الأمن في دنياهم، والسلام مع أنفسهم، والرضا بقضاء الله وقدره. ذلك القضاء الذي الذي يخفى على الإنسان سره ويعجزه في الحقيقة رده أو دفعه.

ويأتي بعد السعي الوقوف بعرفة:

ذلك المكان الذي أعده الله ليكون مكان اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، ليتعرفوا عليه وينادونه بما يريدون في يوم كامل من الفجر حتى غروب الشمس، يذكرون فيه شكواهم ويبثونه آلامهم، ويرفعون إليه أحلامهم وآمالهم، بلا تحديد لقول أو فعل فالقلب لله يقلبه كيف يشاء. وله في تلك الساعات أن يهتف بما يريد، وأن يقول ما يشاء بشرط أن يستشعر الخشوع والجلال لله وحده. وأن يتجه بروح صافية خالية من الأحقاد والبغضاء والهوى إلى ربه. وفي عرفات تمثيل ليوم الحشر، حيث كل الناس سواسية، حفاة عراة لا مال ولا أهل ولا ولد، الكل يرجوه ويتوسل إليه لا فرق بين إنسان وإنسان.

وبعد عرفات يأتي رمي الجمار ذلك الفعل الذي يشعر الحاج بأنه قد طهر نفسه وروحه، وألقى بذنوبه بعيدا كما يلقي الجمار, وأنه قد تخلص من شيطانه فلم يعد له عليه سلطان، وكأنه بذلك يجدد العهد بينه وبين الله تعالى، أنه سوف يكون نعم العبد الصالح الذي يقاوم مغريات الحياة، ويتغلب على شهواته وهواه، فلا يترك بابا للشيطان إليه؛ لأن رمي الجمار لا يعني فيما يعنيه غير هذا المعنى. وعلى المرء أن يستشعر ذلك حين يذهب إلى رمي الجمار.

<<  <   >  >>