للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ١.

وكان الرسول حريصا على توضيح ذلك للناس حتى يعملوا به من بعده, وقصة الذين كانوا يقومون الليل ويصومون النهار وإنكار الرسول عليهم ذلك مشهورة ومتفق عليها, وإن كان هذا موقفه في العبادات فإن موقفه في المعاملات كان أكثر وضوحا في التمثيل للمواقف التعليمية, فقد روي أن أعرابيا جاءه يطلب شيئا فأعطاه، ثم قال له: "أأحسنت إليك؟ " , قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. فغضب المسلمون وهموا به، فأشار الرسول إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئا ثم قال له: "أأحسنت إليك؟ " , قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب ما في صدورهم عليك" قال: نعم، فلما كان الغد وفي العشي جاء الأعرابي، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي أكذلك؟ " قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال -صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل هذا الرجل مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها أخلوا بيني وبين ناقتي, فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذها من قمام الأرض، فردها حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار". فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حاجة إلى رد الأعرابي واستنطاقه بما نطق به, إلا ليبين للمسلمين في موقف تعليمي أن العفو والصفح يأسران القلوب, وأن الحسنة تذهب السيئة، وأن الانفعالية عند الإنسان إذا لم يكن لها ضابط يردعها فإنها تؤدي به وبغيره إلى الهلاك. كما في حالة الناقة وصاحبها.


١ سورة البقرة ١٨٣، ١٨٤.

<<  <   >  >>