للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا يبين أن الإسلام بمصدريه الأساسيين: القرآن والسنة يتعهد الناس بالتربية التي تكفل لهم ولمجتمعاتهم الأمن والاستقرار والمحبة، والتي توجههم إلى تصور الأمور وقياسها على غيرها لينتج من ذلك واقع يؤدي إلى استمرارية الحياة في طريق صحيح, وكان حرص الإسلام شديدا على أن يبدأ التوجيه السليم من أول سنوات الطفولة، فيعود الطفل على ضبط رغباته لا كبتها؛ وذلك لأن الطفل كما أشارت نظريات علم النفس على قدر من الوعي أعظم بكثير مما يظن أغلب الناس. وفي إمكان المربي بحذقه ومهارته أن يبين للطفل الحكمة في منعه من إتيان عمل من الأعمال بطريقة لا يتعذر فهمها على مداركه، وكما أخذ الله عباده بالتدريج في كل أحكام الدين وقضاياه، فإننا نلاحظ ذلك مع الطفل, فإذا كان من المتعذر إدراكه لكل الموانع في زمن الطفولة، فإن الفرصة موجودة دائما لرفعها إلى عالم الشعور الواعي فيما بعد، حين تنضج أفكار الطفل إلى حد يسمح لها بالاستيعاب، فإذا فرضنا جدلا أن بعض الأطفال -في ظل النظام الإسلامي- قد أصيبوا بشيء من الكبت المبكر فإن اليقظة الدائمة المفروضة في الضمير الذي يبنيه الإسلام، ويتعهده بعرض الحقائق التي يتقبلها ويؤمن بها على أسس سليمة واضحة، كفيلة بتخفيف أعراض الكبت وشفاء آثاره، بل وتحويله إلى عمل خلاق ينتفع به الإنسان والبشرية من بعده, وفرويد يقرر أن قدرا معينا من الكبت ينشأ بطريقة ذاتية لا ضرر فيه، ولولا وجود الكبت لظل الإنسان في عذاب دائم من رغبات لا يمكن تحقيقها أصلا، لا لأن المجتمع أو الدين أو الأخلاق تحول دونها؛ ولكن لأن الطاقة البشرية تقف دونها عاجزة كالرغبة في الطيران في الجو كالطيور، والرغبة في السيطرة المطلقة على قوى الطبيعة، ورغبة بعض الأطفال في الحصول على القمر، ولعل كبت هذه الرغبات المستحيلة هو الذي يوجه النشاط العلمي لمحاولة تحقيقها من طريق آخر، ويوجه الفن لتحقيقها في الخيال, وليس هناك أخطر من تصور بعض المفكرين أو القائمين على التربية أن أوامر الدين وقضاياه أكبر من أن تعرض

<<  <   >  >>