إلى اختيار ما يتفق ومواهبه. والمعلم في هذا كله يقوم بدور المهيئ للمحيط، المنظم للخبرة، المساعد للطفل على تحديد أهدافه وغاياته، واستغلال مواهبه وقدراته، والإفادة من إمكانيات المدرسة في تعليم نفسه وتثقيف ذاته وتدريب يده وعقله. وهو غير مطالب -في نظر التربية الحديثة- بالتدخل في نشاط الطفل إلا حين لا يجد مقرا من ذلك, وإذا تدخل فإنما ليدل ويرشد ويوجه لا ليلقن ويعلم. وهكذا يكون عمل المعلم قد اتخذ شكل الإعانة على التعلم لا شكل التعليم والتلقين, وتكون المدرسة مكانا يتعلم فيه الطفل ولا يعلم.
والذي يهدي المعلم في المدرسة الحديثة هو الحياة، حياة الطفل الحاضرة وطفولته أولا، وخصائص هذه الطفولة وحياته الخاصة ثانيا. وصفات هذه الحياة الخاصة وقدراته وميوله ثالثا. وما تتميز به هذه القدرات والميول من فردية رابعا. وأخيرا الحياة المقبلة للطفل وحاجاته فيها ومكانه الخاص منها، على أن تكون هذه الحياة المستقبلية تبعا للحياة الحاضرة ونتاجا من نتائجها١, وهكذا نجد أن المعلم يعد القدوة الذي تتمثل في سلوكه الصورة الحية للتعاليم التي يدعو إلى اتباعهم. ومعلم الدين بالذات لا يمكنه أن يمثل القدوة إلا إذا جعل الأطفال يحسون ويدركون أنه أول مطبق لتعاليم الدين. ولا يخفى علينا أن الطفل يرى في معلمه المثل الأعلى ويقوم بتقليده في العادات والحركات والأساليب. فإذا وجد تناقضا بين أعمال أستاذه وأقواله ضعفت قناعته بهذه الأقوال، واهتزت في نظره قيمة هذه التعاليم، والمربي الناجح يدرك أبعاد مكونات الطفل، فيحرص على أن يبدو أمامه بالصورة اللائقة علما وثقافة وخلقا، ويدرك أن الطفل لا يكتفي منه بالعلم والثقافة، وإنما يستكشف جوانبه العملية، ويعرف إن كان يعمل بتعاليم الدين ويشعر بمسئولية أمام الله