للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العربية إلا قفرا يشرب دماء الرجال، ويرعد بأصوات الحقد والعصبية، ويمتلئ بالرذيلة والدمار.

والإسلام يتميز في تربيته، أنه يأخذ الكائن البشري على طبيعته، ثم يعمد إلى تهذيب هذه الطبيعة والارتقاء بها إلى أقصى درجات السمو الإنساني، دون أن يكبت شيئا من النوازع الفطرية، أو يمزق الفرد بين الضغط الواقع عليه من هذه النوازع، وبين المثل العليا التي يرسمها له.

وهو في تعاليمه ومبادئه يقترب من الإنسان في حذر. فلا يراه ملاكا مجردا من الشهوات والرغبات. ولا شيطانا ليس فيه إلا الشهوات والرغبات.

وإنما هو بين بين. وفي مقدوره إن أراد أن يسمو بروحه إلى مستوى الملائكة من الطهر والنقاء، كما في مقدوره أيضا أن يصل إلى مستوى الشيطان من الفجور والشر ولكنه في حالته الطبيعية بين هذا وذاك -إنسان- مشتمل على الخير كما هو مشتمل على الشر. وذلك شيء من طبيعته وليس مفروضا عليه من خارج نفسه، لذلك تعمل التعاليم الإسلامية على إبراز جوانب الخير فيه، وجعلها في درجة أقوى من جوانب الشر لينتصر بذلك على ترابية الأرض، التي منها تنطلق كل ألوان الصراع البشري، وتأتي الأطماع والأحقاد والفتن، وتشب الحروب وتضرم النيران، وتموت الحقيقة، وتختفي بسمة الحياة تحت سياط الظالمين والجبابرة العتاة.

وبين الخير والشر، والاقتراب منهما في التربية الإسلامية، نجد حرصا كاملا على إيجاد التوازن في نفس الإنسان، ليمتد ذلك منه إلى التوازن في المجتمع، وفي ربوع الدنيا بعد ذلك بقدر الطاقة، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر، أو ينفصلا، فلا يكون في الدنيا إلا ملاك أو شيطان.

<<  <   >  >>