ألوان التضحية وهو سعيد. يقول الدكتور أحمد أمين١:"فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده. إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك وسرى في مخ عظامك، وتغلغل في أعماق قلبك.
ذو الرأي فيلسوف يقول: إني أرى صوابا ما قد يكون في الواقع باطلا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم، وقد تقوم الأدلة على عكسه غدا، وقد أكون مخطئا فيه وقد أكون مصيبا. أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم، وهي الحق غدا، خرجت عن أن تكون مجالا للدليل وسمت عن معترك الشكوك والظنون.
ذوي الرأي سهل أن يتحول ويتحور. أما ذو العقيدة فخير مظهر له ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته".
الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات ويصف الأماني، ويثير الشبهات، ويبعث على التردد، والعقيدة تقتحم الأخطار، وتزلزل الجبال، وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ وتنسف الشك والتردد، وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لمراد الروح".
وهكذا كانت عقيدة الإسلام، وكان الإيمان بها لدى المؤمنين مما غير وجه الأرض. وصنع في الفكر الإنساني صنعة قضت على الوثنية، وعبادة الأوثان، والخضوع للفرد واستعباد الشر، والتسليم لغير الله، وسيظل صنيعها قائما ما بقي المؤمنون بها؛ لأن فيها من القوة ما يدفع إلى الجهاد الدائم بالنفس والمال، واسترخاص العذاب والمحن في سبيل الله.