للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان عملية تصور كآراء الفلاسفة والعلماء والباحثين، وإنما هو عملية يقين تزيل كل الأوهام والشكوك وتحول الإنسان إلى طاقة فاعلة للخير. قادرة عليه؛ لأن الخير كله في الحق، ولا حق من غير إيمان صادق {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ولست أتصور كلمة الإيمان في غير هذا المعنى، فما يذكره بعض الناس من قولهم إيمان، بالرأسمالية أو الشيوعية أو الوجودية أو غير ذلك من المذاهب والمبادئ التي يضعها الناس، ويصورون أن فيها صلاحهم، وهي في الحقيقة ما خرجت عن فكر إنساني بشري له من الأهواء والأغراض والدوافع ما نزعه إلى هذا الفكر أو ذاك. إن هذا لا يسمى إيمانا وإنما هو رأي معرض للصواب والخطأ، والنظر فيه يجب أن يكون بحذر ودقة. أما الإيمان بالله. فهو ذلك الإيمان الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب. ويجب أن يكون قائما على تصديق القلب بالله ورسوله، تصديق المطمئن المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، والذي ينبثق منه العمل الصالح والجهاد الدائب في سبيل الله، والقلب متى تذوق حلاوة الإيمان واطمأن إليه، اندفع لتحقيقه في دنيا الناس، محركا صاحبه إلى التضحية بالمال والنفس من أجل هذا الإيمان الذي لا يطيق الصبر على مفارقته في نفسه وفي نفوس الآخرين. لذلك رأينا المؤمنين في كل عصر يصنعون في مجتمعاتهم صنعة الكهرباء تنطلق من مركزها فتصنع الضوء والحرارة والعمل.

وليس الإيمان الحق الناتج عن عقيدة صحيحة كالرأي الذي يراه الإنسان في لحظة من لحظات فكره، يمكن أن يتحول عنه أو أن يبدل فيه أو يغير تبعا لظروف الحياة ومقتضيات الأحوال، إنما هو جزء من كيان الإنسان، بل هو الإنسان كله، يموت في سبيله وهو راض، ويتحمل من أجله أقصى

<<  <   >  >>