وفاة عبد الله أنه مات فى سنة خمس وثمانين، فيكون عمر أبى حنيفة حينئذ عشر سنين على قول من يقول: إن مولده كان سنة سبعين.
وأما عبد الله بن أبى أوفى، فهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين، فيكون عمر أبى حنيفة حينئذ سبع سنين أو ست سنين. وأما واثلة بن الأسقع، فإنه مات بدمشق سنة خمس أو ست وثمانين، فيكون عمر أبى حنيفة حينئذ خمس أو ست سنين. وأما عائشة بنت عجرد، فقد روى عن أبى محمد بن عبد الله بن نمير الرازى: حدثنى عبد الرحمن بن أبى حاتم، حدثنى عباس بن محمد الدورى، حدثنى يحيى ابن معين، أن أبا حنيفة صاحب الرأى سمع عائشة بنت عجرد تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أكثر جند الله فى الأرض الجراد لا آكله ولا أحرمه (*) ". وأما قول ابن الأثير، وابن خلكان ومن سلك مسلكهما من المتعصبين الحاسدين من أنه كان فى أيام أبى حنيفة أربعة من الصحابة: أنس بن مالك بالبصرة، وعبد الله بن أبى أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدى بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة، ولم يلق أحدًا منهم، ولا أخذ عنه، وأصحابه يقولون: إنه لقى جماعة من الصحابة وروى عنهم، ولا يثبت ذلك عند أهل النقل، فذاك من باب التعصب المحض؛ لأن ما نقله أصحابه أولى من غيرهم، والرجوع إلى ما نقلوا أولى مما نقله غيرهم؛ لأنهم أعرف بحاله من غيرهم، ومن أين يرجح النافون على المثبتين مع ادعاء كل طائفة من الطائفتين أنهم ثقات أثبات فى النقل والرواية؟! وهذه معارضة بالمثل، فترجح رواية المثبت لكونها تثبت أمرًا زائدًا، فتأمل.
وقولهم: لا يثبت ذلك عند أهل النقل، غير صحيح؛ لأن الخطيب من أهل النقل، وهو قد نقل أنه رأى أنس مالك، مع شدة تعصبه على الحنفية، وغيره أيضًا من أصحاب النقل نقلوا أنه رأى أنس بن مالك، ويكفى رؤيته إياه فى كونه تابعيًا، وإن لم يثبت روايته عنه على زعمهم، على أنه يبعد أن يكون مثل أنس بن مالك فى البصرة، ومثل عبد الله بن أبى أوفى فى الكوفة، ولم يكن مثل أبى حنيفة رآه وبين البصرة والكوفة مسافة قصيرة، وقد جرت عادة الناس أنهم إذا سمعوا رجلاً صالحًا فى موضع يسعون إليه من أماكن شاسعة ومواضع بعيدة، ويتزاحمون فى الوصول إليه والدخول عليه، وكيف إذا كان صحابى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى بلد لا يراه أهلها، أو يكون فى بلد قريب من بلده ولا يمشى إليه، ولا يسعى إلى رؤيته؟! وهذا محال عادة.
(*) أخرجه الرافعى فى التدوين فى أخبار قزوين (١/٤٣٨) .