على أملاكهم، ويضع الجزية على رؤوسهم، ولا يقسمها، قال أبو حنيفة: جاز للإمام أن يفعل ذلك، سواء رضيت بذلك جنوده أو لا. وقال من خالفه: ليس له أن يمن عليهم إلا برضاء الغانمين، والواجب أن يقسمها بين الغانمين. ولها نظائر كثيرة اكتفينا بهذا القدر.
الفصل التاسع
فى الخبر الذى ورد حقه من طرق عديدة
الأولى: عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون فى أمتى رجل يقال له: أبو حنيفة، هو سراج أمتى يوم القيامة".
والثانية: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون رجل يقال له: النعمان بن ثابت، ويكنى بأبى حنيفة، يُحيى دين الله وسنتى".
والثالثة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يظهر من بعدى رجل يعرف بأبى حنيفة، يُحيى الله سنتى على يديه".
والرابعة: روى عن على بن أبى طالب كذلك. وكل طريق من هذه على وجوه مختلفة فى المتن والإسناد، بينا جميع ذلك فى ترجمة أبى حنيفة فى تاريخنا البدرى، والمحدثون ينكرون هذا الحديث، بل أكثرهم يدعون وضعه، ولكن اختلاف طرقه ومتونه ورواته يدل على أن له أصلاً، والله أعلم بالصواب.
الفصل العاشر
فى وفاته، رضى الله عنه
قال ابن خلكان: توفى فى رجب. وقيل: فى شعبان سنة خمس وخمسين ومائة. وعن يحيى بن معين: مات سنة إحدى وخمسين ومائة. ويقال: سنة ثلاث وخمسين ومائة. والصحيح أنه مات فى سنة خمسين ومائة. وقيل: لإحدى عشرة ليلة من جمادى الأولى من سنة خمسين ومائة، وكانت وفاته فى السجن ليلة القضاء، وهو الصحيح. وقيل: إنه لم يمت فى السجن. وقيل: إنه توفى فى اليوم الذى ولد فيه الشافعى. وعن عبد الرحمن ابن مالك بن مغول: أن المنصور أرسل إليه وهو فى الحبس: إنك إن أجبت وقلت ما طلبت منك لأخرجنك من السجن ولأكرمنك، فأبى عليه أشد الإباء، فأمر أن يخرج كل يوم ويضرب عشرة أسواط، وكان يخرج كل يوم ويضرب، فلما تتابع عليه الضرب فى تلك الأيام بكى وأكثر الدعاء، فما لبث إلا يسيرًا حتى مات فى الحبس مبطونًا مجهودًا،