قال: فدخل عليه، فقال له: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، قال: أنت شقى بن كسير؟ قال: بل أمى كانت أعلم باسمى منك، قال: شقيت أنت وشقيت أمك، قال: الغيب يعلمه غيرك، قال: لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا، قال: فما قولك فى محمد؟ قال: نبى الرحمة، إمام الهدى، قال: ما قولك فى على فى الجنة هو أم النار؟ قال: فلو دخلتها فرأيت أهلها عرفت من فيها، قال: فما قولك فى الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال: فأيهم أعجب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقى، قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذى يعلم سرهم ونجواهم، قال: أبيت أن تصدقنى؟ قال: إنى لم أحب أن أكذبك، قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: وكيف يضحك مخلوق من الطين، والطين تأكله النار، قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت، فجمعت بين يدى سعيد بن جبير، فقال له سعيد: إن كنت جمعت هذا لتفتدى به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير فى شىء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكى. ثم دعا الحجاج بالعود، فلما ضرب بالعود ونفخ فى النار، بكى سعيد بن جبير، فقال له: ما يبكيك هو اللهو؟ قال سعيد: بل هو الحزن، أما النفخ فذكرنى يومًا عظيمًا، يوم ينفخ فى الصور، وأما العود فشجرة قطعت فى غير حق، وأما الأوتار فإنها أمعاء الشاة تبعث بها معك يوم القيامة، فقال الحجاج: ويلك يا سعيد، فقال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
فقال الحجاج: اختر يا سعيد أى قتلة تريد أن أقتلك؟ قال: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلنى قتلة عنك، قال: إن كان العفو من الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر، قال: اذهبوا به فاقتلوه، فلما خرج من الباب ضحك، فأخبر الحجاج بذلك فأمر برده، فقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك، فأمر بالنطع فبسط، فقال: اقتلوه، فقال سعيد:{وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٧٩] ، قال: شدوا به لغير القبلة، قال سعيد:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة: ١١٥] ، قال: كبوه لوجهه، قال سعيد:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه: ٥٥] ، قال الحجاج: اذبحوه، قال سعيد: أما إنى أشهد يا حجاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها منى حتى تلقانى يوم القيامة. ثم دعا سعيد الله، وقال: