الخامس: قوله عز وجل: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)
قيلِ: نزلت في اليهود، ثم نسخت بقوله - عز وجل -:
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩) .
وليس هذا بنسخ؛ لأن إعطاء الجزية ميل إلى السلم.
وقال قتادة: نسخها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِيْنَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوْهُمْ) .
ولا هذا أيضاً؛ لأن هذا محمول على من لم يكن بيننا وبينهم صلح.
وعن ابن عباس، رحمه الله، نسخها (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) .
وقيل في الجواب عنه: إنما أمره في عمورة الأنفال بالصلح إن جنحوا إليه.
وابتدؤوا بطلبه، وفي سورة القتال نهاه أن يكون هو المبتدئ بالصلح.
فالآية محكمة، وليس ما في القتال بناسخ لها.
السادس: قوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
فأوجب الله عز وجل على الواحد أن يقف لعشرة من الكفار.
قال ابن عباس: وكان هذا، والعدد قليل، فلما كثروا نسخ ذلك بقوله عزَّ وجلَّ: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) .
ولا شك في أن هذه منسوخة بهذه.
وأمَّا من قال: هذا ليس بنسخ، وإنما هو تخفيف، ونقص من العدة، وحق الناسخ أن يرفع حكم المنسوخ كله، ولم يرتفع، وهي باقية على حكمها الآن، من وقف