للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك فلا تعارض بين كثرة المواليد وهذه الإرهاصات؛ لأن القائلين بها لا يتخذونها دليلا على معرفة الله والتصديق بالرسالة، وإنما يتصورونها رمزا قدريا لإعلان جزء من القدرة المتحكمة في هذا الكون، وتهيئة العقول لاستقبال منقذ البشرية، ومحرر الإنسان من ظلمات الطغاة، وعبث العابثين، المرسل من الله العزيز الحكيم.

وحين نقول -والقول حق- إن أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم شهدت حدثا فريدا لا يمكن للعقل تصوره، مع أنه حقيقة ثابتة، وهو هلاك جيش أبرهة بحبات الحصى تنزل على الرءوس فتجعلها كعصف مأكول.. نعم، العقل لا يتصور أن حبات الحصى الصغيرة تملك قوة فكرية تمكنها من اختراق الرأس، وتقتل بعدما تتحرك كل حصاة نحو من تريد قتله!! بلا أدنى خطأ، وهل يمكن لحصاة صغيرة أن تدبر وتقتل وتفعل كل هذا؟!

إنها حادثة فوق مستوى العقل.. ولكنها حدثت لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} وكان حدوثها بعد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يوما على الأرجح.

وما الذي يمنع أن تكون هذه الحادثة من إرهاصات المولد النبوي..

إن القضية في النهاية ليست منهجا علميا أو عقليا، بقدر ما هي قضية إيمان وتسليم.. فالمؤمن يصدق بالخبر إذا اشتمل على صدق روايته، ويكذبه إذا لم تأته الرواية صحيحة مقبولة، أما غير المؤمن فإنه ابتداء لا يصدق، وبعدها يبحث عن مبرر يؤيد مقالته وتكذيبه.

سابعا: الوجود كله خضع واستسلم لله تعالى، إلا أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تمرد عن الحق، ولعب به الشيطان، يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ

<<  <   >  >>