للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أرى -والله أعلم- أن الحكمة في رعي الغنم هي تربية الأنبياء على ما سيكونون عليه حين تكليفهم بالنبوة، وليتعلموا حسن التعامل مع الناس.

وأهم هذه الفوائد ما يلي:

١- التعود على المسئولية:

إن ثقل التكليف يحتاج إلى طاقات بشرية تتحمله، والنبوة تكليف شاق؛ لأنها تعني إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإنقاذ البشر من ضلالات الهوى ليسعدوا بنور الإيمان وبرد اليقين. إن النبوة قمة الأمانة والمسئولية، وحاجتها إلى رسول يتحمل مشاقها ومصاعبها ضرورة لا بد منها.

ورعي الغنم عمل شاق، يكفي في تصور مشقته أن الراعي يعيش واقفا ومتحركا طوال الوقت؛ حيث تسرح الغنم وتمرح، وهذه أعمال في حد ذاتها تحتاج إلى قوة وطاقة؛ ولذلك كان رعي الغنم مقدمة للنبوة لما فيهما معا من مشقة وتعب..

٢- تعليم الصبر والتحمل:

تحتاج النبوة إلى التخلق بالخلق الكريم، والاتصاف بالحلم والصبر، وذلك أمر يحققه رعي الغنم؛ لأن القطيع يرعى وهو مطلق السراح، فيتوزع هنا وهنا، وكلما يجمعه الراعي يعود من حيث أتى، وذلك أمر يحتاج إلى الصبر والتحمل، وبدون ذلك لا يمكن للراعي رعي الغنم..

ومن رعي الغنم إذن تعلَّم الأنبياء الصبر والتحمل في دعوة الناس؛ لأن المدعوين ليسوا على اتجاه واحد، وإنما لكل اتجاهه ومذهبه وجدله، والنبي مسئول عن تبليغ الدعوة للناس على الوجه الصحيح؛ ولذلك وجب أن يكون صابرا حليما.

يقول ابن حجر: "إن مخالطة الغنم يحقق الحلم والشفقة؛ لأن النبي إذا صبر على رعيها، وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع، وسارق، وغير ذلك، ألف من ذلك الصبر على الأمة، وتحمل

<<  <   >  >>