وما يأتي الناس من خير أو شر، أفيأتونه طواعية واختيارا، أم هو بعض سليقتهم، فلا سلطان لاختيارهم عليه؟!!
لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم بثاقب فكره أن عناصر الكون خاضعة لقوة مجهولة هي أقوى من أن تقهر، وأسمى من أن تعرف، وأعلى من أن تتصور، واحدة هي بالضرورة لا تتعدد، عالمية، شاملة.. لأن الوجود كله واحد.
إن عناصر الكون تشغل فكره، وديمومتها المستمرة تدفعه إلى النظر والتدبير فيسائل نفسه، ويعاود النظر، هنا تارة، وهناك تارة أخرى.
ها هي الشمس، ترسل أول أشعتها على الحصى المنثور هنا وهناك، فتصيره جواهر تتلألأ، وأضواء تبرق، وجمالا ينساب بين الكائنات، فينشغل بها!!
ثم ها هي الشمس في كبد السماء، جبارة طاغية، ترسل بأثواب الضوء البراقة لتنشرها على الأرض في حسن وشمول، فيأخذه بهاؤها!!
وها هي ذي الأرض هامدة ساكنة، مستسلمة، كجثة لا حياة فيها.. ثم ماذا؟!..
وها هي أمواج الذهب ترسلها الشمس على الكون عند غروبها، في سخاء وهدوء، وتنسحب كأنها تريد أن توحي إليه بالأسف لمغيبها بلا استئذان.. وتنتهي!!
ثم ها هو ذا طوق القمر الباهر، يشبه طوق الحمامة، تنسجم فيه ألوان الطيف السبعة، ويتألق في وسطه القمر الذي يزهو بما يصدر عنه من شرر، يتحول إلى الآلاف المؤلفة من النجوم والكواكب، ليخلف القمر حتى الصباح!!
وها هي تلك الأعمدة المختالة تتلهى بها الرمال، عند هدوء الجو، بإقامتها ثابتة تحت القبة الزرقاء، حتى إذا ما ثارت الأعاصير، وبعثت بالأتربة من بطون الوديان قاذفة بها في هجوم عنيف، على الغيوم السوداء المفعمة بالبرق، هكذا بعد الهدوء!!