وقد تعلقت قلوب أهل المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم حبا وتقديرا، وتألموا لموقف أهل مكة من الإسلام والرسول؛ ولذلك اجتمعوا ودرسوا الموقف، وقال بعضهم لبعض: إلى متى نذر رسول الله يطوف في جبال مكة ويخاف ويعتدي عليه المشركون؟!
فكان أن رحل عدد غفير من الأوس والخزرج إلى الحج تأدية للمنسك، وحبا للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصلوا إلى منى، وفي ثاني أيام التشريق واعدوا لقاء رسول الله في الشعب المجاور للعقبة.
يقول كعب بن مالك: ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق أن نوافيه في الشعب الأيمن إذا انحدرنا من منى بأسفل العقبة، على ألا ننبه نائما، ولا ننظر غائبا.
فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم على من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه، وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بمعياد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا في العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة.
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل، خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا، مستخفين، حتى اجتمعا في الشعب، عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بن كعب -أم عمارة- إحدى نساء بني مازن من بني النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي، فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا، ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، كما حضر معه صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعلي بن أبي طالب.