للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: الدعوة بالحوار والمفاوضة

دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الوسيلة أملا في إسلام من يفاوضهم ويحاورهم.

وهذه الوسيلة تختلف عن الاتصال الجمعي في أنها قد تكون تلقائية، وقد تكون بإعداد وتوجيه من المدعوين لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يأتي الرسول أو الداعية للمفاوضة، وهو لا يعرف موضوعها، وكل ما في ذهنه، وكل ما يأمله هو عرض الدعوة، وإيمان الناس بها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمل في المفاوضات، ويرجو أن تكون سببا في إسلام أهل مكة..

يروي ابن كثير صورا لهذه المفاوضات، ومنها أن أشراف مكة اجتمعوا عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه، وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره شيء، وكان حريصا، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك١.

ثم عرضوا أن يحققوا له المال، أو الْمُلْك، أو الشرف، أو الزوجة الجميلة، إن كان هو ما يعمل له.. فأجابهم صلى الله عليه وسلم: "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي،


١ البداية والنهاية ج٣ ص٥٠.

<<  <   >  >>