للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".

فقالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقل مالا، ولا أشد عيشا منا١، وحاجتنا شديدة إلى المال والماء والعطاء، وأخذوا يطلبون أمورا حسية تأتيهم على وجه خارق للعادة..

فمرة يقولون: سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليجر فيها أنهارا كأنها الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيما يبعث لنا منهم قصى بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل؟ فإن فعلت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول٢.

ومرة ثانية يقولون: سل ربك أن يبعث لنا ملَكا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لنا جنانا، وكنوزا، وقصورا من ذهب، وفضة، ويغنيك عما نراك تبتغي، فإنا نراك تقوم في الأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم٣.

ومرة ثالثة يقولون: أسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل.

واستمر أهل مكة في هذه العروض لا يقصدون من ورائها سوى السخرية، وإضاعة الوقت، والرسول يقول لهم في كل مرة: "ما بهذا جئت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" ٤.


١ البداية والنهاية ج٣ ص٥٠.
٢ البداية والنهاية ج٣ ص٥١.
٣ البداية والنهاية ج٣ ص٥١.
٤ البداية والنهاية ج٣ ص٥٠، ٥١.

<<  <   >  >>