ورغم مقصد أهل مكة من هذا الحوار، إلا أنه يعتمد على أسلوب بياني له فوائده.. فهم يعرضون قضيتهم ومزاعمهم مع شبههم ووجه نظرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يسمع ويرد عليهم في حلم ورفق بما يرد طلبهم، ويحدد لهم ما يدعوهم إليه.
إن وسيلة المفاوضة تتميز بإظهار مراد كل طرف منها، ونظرته إلى الطرف الثاني، ومنهجه في العرض والرد.. ولذلك اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة لعرض الإسلام.
ويبدو أن هذه المفاوضات تعددت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقام بها غير واحد من القرشيين، وكلها تتجه وجهة معينة، فقريش تبرز ما حل بها بسبب الدعوة، وتحاول صرف النبي صلى الله عليه وسلم عنها بإغرائه بكافة ألوان الإغراء، مع تهديده، وتخويفه، إن لم يتفق معهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يرد بالوحي المنزل عليه، ويقرأ عليهم من القرآن ما يناسب المقام؛ ليبين حقيقة الدين الإلهي، في أنه منزل من الله، وحقيقة القرآن العربي المبين، وحقيقة الرسول الداعية، مع إنذارهم بالويل والثبور إن لم يؤمنوا بالإسلام، وتذكيرهم بما حل بمن سبقهم، وهم على علم به.
لقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هذه اللقاءات بالدعوة إلى دينه؛ حيث كان يسمع لمقالة القوم وشبههم ومزاعمهم، ثم يكر بالنقض والرد.
إنه رسول يحمل رسالة، وكتاب ربه معه يهدي به من ضلال، وينقذه من خبال، وإذا كان الله يطلب من عباده أن يستقيموا ويستغفروا، فمحمد الرسول عبد بشر، وهو أول من يستقيم لربه ويستغفر، إنه لا يحتاج لمال، ولا لملك، ولا لجاه، فقد استبان له الطريق، ووضحت أمامه معالم الهدى، وتيقن من كل ما نزل عليه.
إنه صلى الله عليه وسلم متمسك برسالته، ومستمر في الدعوة لها بالحسنى، واللين، والحجة، والبرهان، والبصيرة، والوضوح.