وقد أبرز القرآن الكريم مع فصاحة الكلمة، وبلاغة الآيات، ودقة الفواصل، وروعة التعبير -صورا تعد قمة في الفصاحة والبلاغة، وتجعل القارئ أو المستمع أمام صورة حسية بارزة، تصورها الكلمات، وتقدمها للعقل في هيئة جميلة، مقبولة، بعيدة عن التجريد العقلي الخالي من الإثارة والتوضيح.
إن الأسلوب التصويري يختلف عن الأسلوب التجريدي في أن التجريد يضع المعنى في صورة معنوية تحتاج لإدراكها إلى عقل واعٍ، وفهم عالم، أما التصوير الحسي فإنها تقدم المعنى في صورة متحركة تلتقي مع الحس، وتثير الوجدان، وتوجد في النفس انفعالا يدفعها إلى معايشة الحدث ومتابعته والتأثر به.
ومن أهم ما قدمه القرآن الكريم في مجال الأسلوب التصويري ما يلي:
١- التصوير بالألفاظ والعبارات:
ألفاظ القرآن الكريم كلها مختارة ومقدرة لتحتل مكانها في الجملة بحيث لا يغني عنها سواها، ولتنهض بدورها في تأدية المعنى على أكمل وجه، وأتم بيان، وأبلغ صيغة.
والقرآن الكريم لم يبتكر ألفاظا كانت مجهولة قبله، بل الجديد في لغة القرآن أنه في كل شأن يتناوله من شئون القول يتخير له أشرف الموارد، وأمسها رحما بالمعنى المراد، وأجمعها للشوارد، وأقبلها للامتزاج، ويضع كل مثقال ذرة في موضعها الذي هو أحق بها، وهي أحق به، بحيث لا يجد المعنى في لفظه إلا مرآته الناصعة، وصورته الكاملة، ولا يجد اللفظ في معناه إلا وطنه الأمين، وقراره المكين.
وقد مر بنا منذ قليل عدد من الأمثلة على كلمات قرآنية وضعت في موضعها، ورأينا كيف أنها صورت معناها، وقدمته جليا واضحا شاملا لكل جوانبه وعناصره.
كما شاهدنا تميز الكلمة في موضعها عن سواها المشتمل على نفس المعنى..