للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما بدت البلاغة القرآنية في الكلمة الواحدة، والجملة المركبة، فإنها تتحقق كذلك في الآيات الكثيرة وهي تتحدث عن موضوع ما.. ومن أمثلة ذلك النوع نقرأ قوله تعالى: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ، فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ، أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} ١ وهذه الآيات جزء من قصة أصحاب الجنة التي ذكرها القرآن الكريم بيانا لعاقبة البخل؛ ترهيبا منه، وحثا على البذل، ونقف عند الكلمات {فَتَنَادَوْا} و {مُصْبِحِينَ} و {فَانْطَلَقُوا} و {يَتَخَافَتُونَ} فنجدها تصور حركة أصحاب الجنة وهم يتنادون مبكرين قبل أن يستيقظ الفقراء، ثم وهم ينطلقون إلى جنتهم لا يصرفهم شيء عما اعتزموه، ثم وهم يبالغون من التكتم زيادة في الحيطة، ويتخافتون ويسرون بالكلام، وهذا التصوير الذي قامت به الكلمات يثير الخيال، ويجعله يتابع حركتهم، ويستثير في النفس حبها للاستطلاع، ويستولي على مشاعر السامع، فلا يستطيع التحول عن متابعتهم فيرى نهاية أمرهم، ومن ثم يستقر في وجدانه الدرس القيم الذي سيقت القصة من أجله.

ومن أمثلته قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى، لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} ٢ والآيات الكريمة تخوف من البخل وعاقبته؛ ولذا نقف عند الكلمات {نَارًا} و {تَلَظَّى} و {الْأَشْقَى} و {وَتَوَلَّى} و {وَسَيُجَنَّبُهَا} ففيها من القدرة على التصوير ما يجعلها أبلغ في الترهيب، فالمنذر به {نَارًا} ومن ذا الذي لا يفزع من النار، ويعمل ما يقي نفسه شرها، ثم هي نار {تَلَظَّى} أي: تتسعر، ويشتد لهيبها، ثم


١ سورة القلم الآيات ٢١-٢٤.
٢ سورة الليل الآيات ١٤-١٨.

<<  <   >  >>