للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بدأت الآيات باستفهام إنكاري عن سبب إعراضهم عن الإيمان مع وجود كل دواعي الاستجابة ليقوا أنفسهم هذا المصير الذي ينتظرهم.

والقرآن يصورهم في نفورهم من الدعوة، والإسراع في إبعاد أنفسهم عنها إسراعا يمضون فيه على غير هدى، بالحمر المستنفرة التي تبالغ في الهرب، وتحث نفسها عليه، فرارا من أسد هصور، يبغي اللحاق بها لافتراسها، فكم توحي هذه الصورة بالعجب من أمرهم، والسخرية منهم! ثم ما أعظم ما أبرزته هذه الصورة من أحوالهم، فهم في فرارهم هذا من الدعوة لا يلجئون إلى مأمن من الخطر، بل يفرون على غير هدى ولا بصيرة، ثم إبراز ما في نفوسهم من كراهيتهم العميقة للدعوة في تلك الصورة البالغة التي تحملهم على المبالغة في البعد عنها، وعدم الاستماع إليها فضلا عن تدبرها.

وإذا كنا نركز هنا على أثر التصوير في إبراز المعاني، فإن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى عوامل أخرى تضمنتها الصورة، وضاعفت ما بها من تأثير، فاختيار لفظ "الحمر" وما يوحي به من دناءة وخسة مبالغة في السخرية بهم، ثم اختيار لفظ "قسورة" من بين أسماء الأسد؛ لما يوحي به من القسر والعنف مبالغة في سبب فرارهم، وذلك إشارة إلى ما في نفوسهم من مشاعر عدائية، تحثهم على الفرار من الدعوة، وهكذا يبرز التشبيه المعاني ويثبتها في النفوس، ويوحي بما يحقق الهدف منه، ويتضح هذا بجلاء إذا حاولنا أن نعبر عن هذا المعنى بأسلوب غير أسلوب التشبيه، كأن نقول مثلا: فما لهم يعرضون عن الدعوة كل هذا الإعراض، أو هذا الإعراض الشديد؟!!

٣- التصوير بضرب المثل:

يطلق المثل ويراد به: القول السائر الذي يمثل مضربه بمورده، وحيث لم يكن ذلك إلا قولا بديعا، فيه غرابة، صيرته جديرا بالتسيير في البلاد، وخليقا بالقبول استعير لكل حال أو صفة أو قصة، لها شأن عجيب، وخطر غريب، من غير أن

<<  <   >  >>