حكمتها ورشاقة لفظها، وإصابتها المعنى، وطرافتها التي تتجدد ولا تبلى، مما نرى أثره في وجوه السامعين لها، وإقبالهم عليها، وتسليمهم بحكمها.
وثالثها: أن المثال وسيلة من وسائل الإقناع، فإن المورد للمثل إنما هو في الحقيقة يقيس الأمر الذي يدعيه على أمر معروف عند من يخاطبه، ومسلم لديه، ومن ثم لزم التسوية بينهما في الحكم، وتحقق الإلزام به.
تلك أهم عوامل التأثير في أسلوب ضرب المثل، ولنورد بعض النماذج لها.
يريد القرآن الكريم أن يبين للمشركين تفاهة ما يعبدونه من دون الله وعجزهم المزري، فلا يعبر عن ذلك بوصفهم بالعجز والتفاهة، بل يصوره في هذا المثل المؤثر:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ١.
وأي عجز أبلغ من عجز من يزعمونهم آلهة عن خلق أتفه المخلوقات وأحقرها وهو الذبابة، ولو اجتمعوا، وتعاونوا في ذلك، إنهم يعجزون عما هو أيسر من الخلق، وهو استنقاذ ما يسلبه منهم ذلك المخلوق الضعيف.
أبعد هذه دليل على الجهل والضلال؟! وهكذا يتركهم القرآن الكريم هم وآلهتهم سخرية الساخرين، وحديث المتندرين.
٤- التصوير القصصي:
القرآن في قصصه لا يعمد إلى الحشد من الحوادث والمواقف، فيصوره في تتابع ليأتي عليه كله، بل إن القصص القرآني مرتبط بالغرض الديني فهو يسوق القصة في مقام يقتضيها، ولهدف محدد يرمي إليه، ومن ثم يختار من الحوادث والمواقف ما يحتاجه المقام ويصيب به الهدف المقصود، حيث نرى القصة تركز مرة على الزمن