ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل، ومدح المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة.
وروى أبو هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله، مرني بعمل وأقلل، قال:"لا تغضب" ثم أعاد عليه فقال: "لا تغضب". رواه البخاري.
وروى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ليس الشديد بالصُّرْعة, وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". متفق عليه.
٢- بيان حقيقة الغضب:
"اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضا للفساد والموتان، بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة عنه، أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه""ص١٦٦".
ويمضي الغزالي في تحليله فيقول: إنه إذا لم يصل للإنسان مدد من الغذاء يجبر ما أكل وتبخر من أجزاء الرطوبة لفسد الحيوان من داخله.
"وأما الأسباب الخارجية التي يتعرض لها الإنسان كالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه وتدفع المهلكات عنه، فخلق الله طبيعة الغضب من النار وغرزها في الإنسان وعجنها بطينه، فمهما صد عن غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب, وثارت ثورانا يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن. وكما ترتفع النار, وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر؛ فلذلك ينصبّ إلى الوجه فيحمرّ الوجه والعين، والبشرة لصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها. وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه، فإن صدر الغضب على من فوقه، وكان معه يأس من الانتقام؛ تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب وصار حزنا ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تردد الدم بين انقباض وانبساط؛ فيحمر ويصفر ويضطرب.