الله الأرض ومن عليها، وأنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وأن الإنسان هو الإنسان من بدايته إلى نهايته، لم يتغير لا في هيأته ولا في طبيعته ولا في حبه للملكية الفردية منذ وجوده على الأرض، أما ما تصوره الملاحدة من انعدام الملكية الفردية وذوبان الشخص في القبيلة؛ إنما كان يصدق على بعض عهود الجاهلية، ممن كان عندهم التعصب الشديد للقبيلة، لكن في غير الملكية الفردية، مع أن تصور عدم ميل كل شخص إلى الملكية الفردية تصور افتراضي بعيد الوقوع ومحال.
نعم، وجد بين أفراد القبيلة الواحدة تعاون قوي وتعاضد وشراكة في السراء والضراء، وتلاحم بين كل أفراد القبيلة إلى حد أن الفرد لا يتصور وجوده وكيانه وانتماءه وما يأخذه وما يتركه إلا من خلال قبيلته، يفعل كل ما تفعله قبيلته ويترك كل ما تتركه دون أن يكون له أي رأي في مخالفة عرف القبيلة، ولكن هذا الحال لا يصلح أن يكون دليلًا للملاحدة على شيوعية البشر، على الطريقة التي قررها "ماركس" وأتباعه، بل إن اعتقاد أن البشر كانوا بمنزلة البهائم في بدايتهم هو الظلم بعينه والكذب على البشرية بعينه، وهو رد صريح لكل ما يثبت في الأديان السماوية من تكريم الله للبشر، ورفعهم عن منزلة الحيوانات البهيمية التي تصورها الملاحدة في تفسيرهم لنشأة البشر، وقيام أمورهم على الناحية الاقتصادية والقبلية فقط كما زعموا.
ثم على فرض مستحيل أن بعض المكتشفين وجدوا قبائل تعيش على الفوضى في كل شيء -بما فيها الجنس- ألا يصح أن يوصف هؤلاء بأنهم شواذ لا قيمة لهم فاسدو الفطرة، وأن وصف البشرية كلها بتلك الوصمة الشنيعة لأجل ما وجدوه هؤلاء عند تلك القبائل الهمجية؛ يعتبر تطاولًا على تاريخ البشر، هذا إن صح أنهم وجدوا بشرًا بتلك الحال مع أن كذبهم وافتراءهم وارد، ذلك أنه ما من إنسان