الأكوان، وأن الفكرة هي الأصل والمادة ناتجة عنها، بخلاف ما يقوله "كارل ماركس" في جدليته التي تقول: إن الله تعالى هو من اختراع الفكر الإنساني وخيالاته، وليس عن حقيقة، وأن الأساس هو المادة، والفكر ناتج عن المادة، وهذه الجدلية -جدلية "ماركس"- تلاحظ دائمًا أن هذا الكون دائم التغير والتطور في فعل ورد فعل أشبه ما يكون بحركة المتجادلين، وقد أرجع "ماركس" هذا التجادل إلى المادة وتأثيراتها، بينما كان "هيجل" يرى أن تلك التغيرات هي للقوة الغيبية التي هي المؤثر الحقيقي فيها، وقد تصور "هيجل" حسب خياله أن تلك الحركة في التغيير والتطور في الكون تسير وفق دورات لولبية صاعدة دائمًا، وكل دورة قسمها إلى ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: وسماها الطريحة أو أطروحة أو الدعوة أي الأمر.
المرحلة الثانية: سماها الجمعية أو نفي النفي أو جامع الدعوى أي النتيجة. فمثلًا البرعم يسميه الطريحة ونقيضه الزهرة، ثم تأتي الجمعية التي هي الثمرة وهي أرقى من البرعم والزهرة في تطور متصاعد دائمًا، وبعضهم يسمي هذه المراحل الوضع ونقيضه، ومؤتلف الوضع ونفيه، وكلها افتراضات خيالية تصورها "هيجل" في تضاد دائم بين الشيء ونقيضه، والنتيجة النهائية لهذا النقيض الذي يمشي صاعدًا في تطور هو نهاية كل نقيضين، وغاب عن "هيجل" وعن غيره -ممن يرددون هذه الدعوات- أنه لا يمكن اجتماع النقيضين في وقت واحد وعلى شيء واحد لأنه مستحيل إلا في خيال الفلاسفة الفارغين.
وما زعمه "هيجل" من أن الأشياء كلها في تطور متصاعد هو فكر غير صحيح في كل الأمور، فإذا صح في بعض الحالات فإنه غير صحيح في كلها. فمثلًا الإنسان وهو حي يسمى حسب نظرية "هيجل" طريحة، ثم يأتيه الموت فيسمى نقيضًا،