ثم يقال أيضًا لهؤلاء الملاحدة: هل لأجزاء المادة إرادة وقصد في تنويع المخلوقات في العالم؛ من نجوم وكواكب ومعادن ونباتات وحيوانات وبشر؟! كيف يفترض إنسان أن يكون كل هذا وجد بفعل ذرات الطبيعة الصماء؟! إن المادة لا عقل لها ولا بصر كي ترتب المخلوقات وتنظم شؤونها، ولا منطق لها كي تفكر في مستقبل الأشياء وما تحتاجه، وهذا يعني أن القول بخلق الطبيعة للوجود لا يخرج عن تفسير الماء بالماء، فالأرض خلقت الأرض والسماء خلقت السماء، والأصناف صنعت نفسها والأشياء أوجدت ذواتها، فهي الحادث وهي المحدث وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته، وبطلان هذا القول بين وهو لا يخرج عن أمرين: إما الادعاء بأن الشيء وجد لذاته من غير سبب وهذا قول فاسد، وإما ازدواج الخالق والمخلوق في كائن واحد، فالسبب عين المسبب وهو مستحيل وهو تهافت وتناقض لا يحتاج لشرح.
ولو كانت الطبيعة هي الخالق -كما يقولون- لكانت قوانينها واحدة، المريض لابد أن يموت والصحيح لا يمرض، والنبات الذي يسقى بماء واحد لا يختلف طعم ثمره، لكننا نرى العكس أحيانًا نرى المريض يشفى والصحيح يموت بدون مرض أو علة، ونرى الزرع والنبات في ساحة واحدة يمتص غذاءه في الأرض من تراب واحد ويسقى بماء واحد، ولكن الثمر قد يختلف في المذاق وفي الألوان وفي الروائح والمنافع والمضار، فهل هذا كله من صنع الطبيعة الصماء أو المادة العمياء، وهل هذا هو العلم الذي يقولون به؟! إن هذا هو الجهل بعينه وليس بالعلم!.