وقد ذكر الباحثون أنه من الصعوبة -كما قلنا- تصور الفصل بين المادية الجدلية والمادية التاريخية، والملاحظ أن التفسير المادي للتاريخ لا ينفي القيم والأخلاق التي تصدر عن البشر، إلا أنه ينفي أن تكون لتلك القيم أو الأخلاق أو سائر السلوك وجود قبل وجود المادة والأوضاع الاقتصادية، أو أن تكون تلك القيم والأخلاق لها ثبات دائم، أو أن تكون تلك القيم والأخلاق من الله تعالى، بل إن تطور تاريخ المجتمعات البشرية هو قبل كل شيء مرهون بتطور الإنتاج البشري المادي، تاريخ البشر يرتكز أساسًا على المصالح المادية التي تربط الناس بعضهم ببعض، لا على أساس ديني أو سياسي أو أخلاقي ثابت، إذ القيم كلها في مفهومهم سراب لا قيمة لها، والغايات عندهم تبرر الوسائل على امتداد تاريخ البشر حسب تفسيرهم.
أما عن مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية فنقول: إن ما زعمه "ماركس" من أن تاريخ البشر وما يمرون به في حياتهم من أمور مختلفة، إنما هو نتيجة لطريقتهم في الإنتاج، إن هو إلا كذب محض؛ فإن حياة الناس ومعايشهم والتغيرات التي يمرون بها لا تتوقف فقط على الإنتاج، والواقع خير شاهد على أن الذي يغير المجتمعات قد يكون أشياء كثيرة، غير وفرة الإنتاج أو قلة الإنتاج، فالفرق المختلفة وأصحاب المذاهب الوضعية واستعمار الناس بعضهم بعضا، والحروب التي تشتعل بينهم والغنى والفقر الذي يمرون به، وغير ذلك كلها من العوامل التي تحدث التغيير في المجتمعات ولا سبيل إلى إنكار هذا، مما يدل على أن قضية الإنتاج إنما هي جزء من الأجزاء الكثيرة التي تحدث التغيير في المجتمعات، وليس المال فقط كما قرره الملاحدة.
وكذلك ما زعمه الماركسيون من أن تاريخ البشر مر بالمراحل السابقة، إلى أن وصل إلى الشيوعية، هي في الحقيقة كلها مزاعم فارغة كاذبة، وقد ظهر كذبها