للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها، وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه وسلوكه الخير والشرير، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب، ولا شك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخ الإنسان المادي كما تصوره الشيوعية، والتي تهبط بالإنسان إلى الحضيض، ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علو روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه ...

هذا الجانب أغفلته الشيوعية، ولم تنظر إليه إلا على أن الإنسان حيوان بهيمي، لا هم له إلا بطنه وفرجه ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كون الإنسان من جسد وروح، وأن كلا منهما يطالب بحقه وغذائه المادي والروحي مطالبة حثيثة، وليس فيها أنه لا يجوز أن يغلب الإنسان جانبا منهما على الآخر إلى حد الإهمال كما قررته الشيوعية.

فهذا التوازن لا يوجد إلا في الإسلام لكي يتم التوازن الحقيقي بينهما، فإن الإسلام لا يقدس الجسد وشهواته الحسية فقط ولا يقدس الروح إلى حد الغلو فيها، وإنما الإسلام يوازن بينهما ويجعلهما شريكين متماسكين لا متصارعين، كما هو حال الأنظمة الجاهلية المادية، ويمكننا القول بأنه إذا كان ظهور الشيوعية كنتيجة مادية قامت بالعنف والجبروت، فقد رأينا نهايتها المخزية، بينما الإسلام وقد قام على العقيدة الصحيحة والعدل التام انتصر وتأثر به الناس، وأحبوه وأحدث في أنفسهم قوة جبارة كانت كامنة، ففجرها الإسلام وأنار الأرض كلها، ولم يقم على العنف ولا على الصراع المادي والطبقي، فلو أن الإسلام كان ظهوره بسبب عوامل مادية لانتهى بتلك الحال حينما تنتهي، أو لوجب أن تنشأ قوة مثله كلما تكررت تلك الحال.

<<  <   >  >>