كما يتصورون مجتمعاتهم ناسين الفروق الطبيعية، والنفسية، والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.
ومن هؤلاء من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، ويأتي بنتائج تنطبق مع الحق والصدق والواقع، ولكن هؤلاء يلقون عنتًا من سائر المستشرقين؛ إذ سرعان ما يتهمونهم بالانحراف عن المنهج العلمي، أو الانسياق وراء العاطفة، أو الرغبة في مجاملة المسلمين، والتقرب إليهم، كما فعلوا مع توماس أرنولد حين أنصف المسلمين في كتابه العظيم (الدعوة إلى الإسلام)، وقد برهن فيه على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين على عكس مخالفيهم معهم، وهذا الكتاب الذي يُعتبر من أدق وأوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني في الإسلام يطعن فيه المستشرقون المتعصبون؛ بأن مؤلفه كان مندفعًا بعاطفة قوية من الحب والعطف على المسلمين، مع أنه لم يذكر فيه حادثة إلا أرجعها إلى مصدرها.
ومن هؤلاء من يؤدي به البحث الخالص لوجه الحق إلى اعتناق الإسلام، والدفاع عنه في أوساط أقوامهم الغربيين، كما فعل المستشرق الفرنسي الفنان دينيه، الذي عاش في الجزائر فأعجب بالإسلام، وأعلن إسلامه، وتسمى باسم ناصر الدين دينيه، وألف مع عالم جزائري كتابًا عن سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم، وله كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام بيَّن فيه تحامل قومه على الإسلام ورسوله، وتوفي هذا المستشرق المسلم في فرنسا ونُقل جثمانه إلى الجزائر ودفن فيها.
ومنهم أيضًا المستشرق عبد الكريم جرمانوس، وهو عالم مجري اعتنق الإسلام في الهند، وتوفي سنة ١٩٧٩، وكان يتمنى أن يعيش مائة عام؛ لأنه كما يقول أن اللغة العربية تحتاج إلى مائة سنة لفهمها، وكان عضوًا في المجمع اللغوي في