الدافع الخامس من دوافع الاستشراق: وهو الدافع العلمي النزيه: وهذا يُعد في المستشرقين قليل جدًّا، فمن المستشرقين نفر قليل جدًّا أقبلوا على الدراسات الاستشراقية بدافع من حب الاطلاع على حضارات الأمم، وأديانها، وثقافاتها، ولغاتها، وكان هؤلاء النفر من المستشرقين أقل من غيرهم خطأ في فهم الإسلام وتراثه؛ لأنهم لم يكونوا يتعمدون أن يدسوا أو يحرفوا، لذلك جاءت بحوث هؤلاء أقرب إلى الحق، وهي المنهج العلمي السليم من أبحاث الجمهرة الغالبة من المستشرقين؛ بل منهم من اهتدى بدراسته إلى الإسلام، وآمن به، وانتمى إلى الأمة الإسلامية على أن هؤلاء قلما يوجدون إلا حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الدراسات الاستشراقية بأمانة وإخلاص؛ لأن أبحاثهم مجردة عن الهوى الجانح، لا تلقى رواجًا، لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين الغربيين؛ بل كثيرًا ما يتعرض هؤلاء للمضايقات ومقاومات شديدة من قبل رجال الدين، ورجال السياسة في بلدانهم.
ولما كان الاستشراق النزيه الراغب بالبحث العلمي الحيادي المتجرد عن الهوى الجانح لا يُدر على مرتاديه مكاسب ومغانم؛ كان من الطبيعي أن يندر هؤلاء المرتادين في أوساط المستشرقين.
من خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به، وهدف هذا الدافع هو إشباع النهم العلمي المتجرد، وتحصيل معرفة صحيحة تتصل بأمة ذات علم وحضارة أصيلة، وهؤلاء مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الأخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيتصورونها