متجاهلين تلك الجهود التي بذلها علماء المسلمين؛ لتنقية الحديث الصحيح مستندين إلى قواعد بالغة الدقة في التثبت والتحري، مما لم يُعهد عندهم في دياناتهم عشر معشاره في التأكد من صحة الكتب المقدسة عندهم. وأيضًا يشككون في قيمة الفقه الإسلامي الذاتية، ذلك التشريع العظيم الذي لم يجتمع مثله لجميع الأمم في جميع العصور، وقد سقط في أيديهم حين اطلاعهم على عظمته، وهم لا يؤمنون بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا بدًّا من الزعم بأن هذا الفقه مستمد من القانون الروماني أي: أنه مستمد من الغربيين.
قد بين علماء المسلمين الباحثون تهافت هذه الدعوى، وفيما قرره مؤتمر الفقه المقارن المنعقد بلاهاي بأن الفقه الإسلامي فقه مستقل بذاته، وليس مستمدًّا من أي فقه آخر ما يفحم المتعنتين منهم، ويقنع المنصفين الذين لا يبغون غير الحق سبيلًا.
العلاقة بين الاستشراق والتنصير فالعلاقة بين الاستشراق والتنصير علاقة وثيقة وفي غاية المتانة، ذلك إن الاستشراق هو الرافد الآخر للتنصير، كلاهما ينبعثان من الكنيسة؛ فهم -كما بينا- جميعًا قساوسة كلهم يخدمون الكنيسة على حد سواء. وتتركز مهمة الجميع في هدم الإسلام، أو تشكيك أهله فيه، وتشويه تاريخ الأمة الإسلامية ونبيها العظيم، وجعل العالم الإسلامي مناطق نفوذ للغرب، ولهذا يلقى المستشرقون الدعم بسخاء من كافة الدول الكبرى التي تتطلع إلى العودة؛ لاستعمار الدول الإسلامية من جديد. وقد أقامت لهم مختلف الجماعات بدراسة كيفية التنصير والاستشراق؛ للتغلغل إلى ديار المسلمين، وإلى قلوبهم، وإلى استعمال بلدانهم، وإيجاد المبررات لذلك.