إذ عرفت هذا فلا ريب أن ذلك الوصف إنما ينطبق على العرب، فإنهم كانوا قبل مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- من أجهل الخلق بالله، وبما جاءت به الرسل، لا يعرفون كتابا، ولا يؤمنون بالرسل، ولا يصدقون بالبعث، فمقتضى هذا النص أن هؤلاء الغافلين الجهال بالله، وما جاءت به رسله سيجعلهم الرب تعالى من شيعة الحق، ويجعلهم له أهلا، وينقلهم إلى القرب منه، ويكونون له أحبابا.
ومما يوافق هذا النص ويوضح دلالته ما ورد في الفصل العاشر من " رسالة بولس إلى أهل رومية "، قال:" إني سأعيركم بأمة أخرى، وأغيظكم بأمة لا فهم لها ". انتهى.
وهذا النص -أيضا- في " سفر الاستثناء " من التوراة، وقد ساقه بولس في جملة ما وعظ به اليهود حتى يرتدعوا عما كانوا عليه، ويذكروا يوم يعيرهم الله بأمة أخرى، ويغيظهم بأمة لا فهم لها.
وهذا الوصف لا ينطبق على غير العرب البتة، وإن حمله النصارى على من دخل في النصرانية من اليونان والروم فهو باطل.
فإن عند أولئك علوما كثيرة وأفهاما قوية، بل هم أعلم من اليهود في جميع العلوم العقلية بكثير، وفيهم الحكماء الذين استنبطوا فنونا كثيرة ودونوها، وعرفت عنهم.
وأما العرب فما كانوا قبل مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- يتعاطون شيئا من العلوم العقلية أو النقلية، وغاية ما عندهم علم