وقد طولبوا في دليل الحصر في الثلاثة، فقالوا: لأن الخلق والإبداع لا يتأتى إلا بها، فقيل لهم: والإرادة، والقدرة لا يتأتى الخلق إلا بهما، فيلزم الحكم بأن الأقانيم خمسة، وهو باطل، فكذا التثليث ... والله أعلم.
قال أبو العباس: ومن هاهنا قالوا كلهم: المسيح هو الله، وقالوا كلهم: هو ابن الله، لأنه من حيث إن الآب والابن وروح القدس إله واحد، وقد اتحد بالمسيح كان المسيح هو الله، ومن حيث إن الأب جوهر والابن جوهر وروح القدس جوهر، والذي اتحد به هو جوهر الابن الذي هو الكلمة كان المسيح هو ابن الله عندهم.
ولا ريب أن هذين القولين وإن كان كل منهما متضمنا لكفرهم - كما ذكره الله - فإنهما متناقضان، إذ كونه هو ينافي كونه ابنه، لكن النصارى يقولون هذا كلهم، ويقولون هذا كلهم، كما ذكر الله ذلك عنهم، ولهذا كان قولهم معلوم التناقض في بديهة العقول عند كل من تصوره، فإن الأقانيم إذا كانت صفات أو خواص، وقدر أن الموصوف له بكل صفة اسم كما مثلوه بقولهم: زيد الطبيب، وزيد الحاسب، وزيد الكاتب، لكن لا يمكن أن بعض هذه الصفات يتحد بشيء دون الجوهر، ولا أن بعض هذه يفارق بعضا، فلا يتصور مفارقة بعضها بعضا، ولا مفارقة شيء منها للموصوف، حتى يقال: