وليس المراد بسط هذه المسألة، وإنما المقصود أن أخذ الجزية ممن بذلها للمسلمين ليس على العموم في حق كل كافر.
وإذا عرف هذا فليس في إقرار من يقر بالجزية من الكفار ما يكون قدحا في حكمة الشريعة وكمالها، فإن أحكام الشريعة جاءت في كل باب على وفق الحكمة والمصلحة، والذي شرعها هو الرب - سبحانه وتعالى - وهو أحكم الحاكمين.
وقد قامت الأدلة القاطعة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن القرآن كلام الله - تعالى - ورسالته إلى خلقه، وشرعه هو ما تضمنه كتابه وحكمة رسوله، والحكم والغايات في أحكامه لا يحيط بها إلا هو، فما علمناه منها قلنا به، وما جهلناه وكلناه إلى عالمه.
وقد ذكر العلماء من الحكمة في إقرارهم بالجزية وجوها:
فمنها: أنهم أقروا بذلك، ولم يعاملوا معاملة غيرهم من الكفار لحرمة الكتاب الذي ينتمون إليه.
ومنها: أن ذلك لحرمة آبائهم الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة والإنجيل.
ومنها: أن إقرارهم بذلك لأنهم أهل الكتاب وبأيديهم التوراة والإنجيل، وفيها صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - فربما يتفكرون ويعلمون صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - فيتبعون الحق، فأمهلوا لهذا المعنى.