فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر فرواه؛ فما جرى هذا المجرى فهو ارنجال.
وأما البديهة فبعد أن يفكر الشاعر يسيراً ويكتب سريعاً إن حضرت آلة، إلا أنه غير بطيء ولا متراخ، فإن أطال حتى يفرط أو قام من مجلسه لم يعد بديهاً.
وقالوا: اجتمع الشعراء بباب الرشيد، فأذن لهم، فقال: من يجيز هذا القسيم وله حكمه؟ فقالوا: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الملك لله وحده فقال الجماز: وللخليفة بعده
وللمحب إذا ما ... حبيبه بات عنده
فقال: أحسنت، وأتيت على ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
ومن عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي وهو فيلسوف العرب:
إقدام عمرو، في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له الكندي: ما صنعت شيئاً، شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومن هؤلاء الذين ذكرت؟ وما قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيراً، وقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس
فهذا أيضاً وما شاكله هو البديهة، وإن أعجب ما كان البديهة من أبي تمام؛ لأنه رجل متصنع، لا يحب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل: إن الكندي لما خرج أبو تمام قال: هذا الفتى قليل العمر؛ لأنه ينحت من قلبه، وسيموت قريباً، فكان كذلك.