وقد كان أبو الطيب كثير البديهة والارتجال، إلا أن شعره فيهما نازل عن طبقته جداً، وهو لعمري في سعة من العذر؛ إذ كانت البديهة كما قال فيها ابن الرومي:
نار الروية نار جد منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح
وقد يفضلها قوم لسرعتها ... لكنها سرعة تمضي مع الريح
وقال عبد الله بن المعتز:
والقول بعد الفكر يؤمن زيغه ... شتان بين روية وبديه
ومن الشعراء من شعره في رويته وبديهته سواء عند الأمن والخوف؛ لقدرته، وسكون جأشه وقوة غريزته: كهدبة بن الخشرم العذري، وطرفة بن العبد البكري، ومرة بن محكان السعدي؛ إذ يقول وقد أمر مصعب بن الزبير رجلاً من بني أسد بقتله:
بني أسد إن تقتلوني تحاربوا ... تميماً، إذا الحرب العوان اشمعلت
ولست وإن كانت إلى حبيبة ... بباك على الدنيا إذا ما تولت
وهذا شعر لو روي فيه صاحبه حولاً كاملاً على أمن ودعة وفرط شهوة أو شدة حمية لما أتى فوق هذا.
وكذلك عبد يغوث بن صلاءة؛ إذ يقول في كلمة طويلة:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا
فيا راكباً إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وكانوا قد شدوا لسانه خوفاً من الهجاء، فعاهدهم فأطلقوه لينوح على نفسه، فصنع هذه القصيدة، وعرض عليهم في فدائه ألف ناقة، فأبوا إلا قتله، فقال: