وصاحبه الذي يذم ويحمد ويهجو ويمدح، ويعرف ما يأتي الناس من محاسن الأشياء وما يذرونه، فهو على نفسه شاهد، وبحجته مأخوذ.
وليأخذ نفسه بحفظ الشعر والخبر، ومعرفة النسب، وأيام العرب؛ ليستعمل بعض ذلك فيما يريده من ذكر الآثار، وضرب الأمثال، وليعلق بنفسه بعض أنفاسهم ويقوى بقوة طباعهم، فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر، ومعرفة الأخبار، والتلمذة بمن فوقه من الشعراء، فيقولون: فلان شاعر راوية، يريدون أنه إذا كان راوية عرف المقاصد، وسهل عليه مأخذ الكلام، ولم يضق به المذهب، وإذا كان مطبوعاً لا علم له ولا رواية ضل واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلب المعنى فلم يصل إليه وهو ماثل بين يديه؛ لضعف آلته: كالمقعد يجد في نفسه القوة على النهوض فلا تعينه الآلة.
وقد سئل رؤبة بن العجاج عن الفحل من الشعراء، فقال: هو الراوية، يريد أنه إذا روى استفحل.
قال يونس بن حبيب: وإنما ذلك لأنه يجمع إلى جيد شعره معرفة جيد غيره، فلا يحمل نفسه إلا على بصيرة، وقال رؤبة في صفة شاعر:
لقد خشيت أن تكون ساحراً ... راوية مرا ومرا شاعراً
فاستعظم حاله حتى قرنها بالسحر.
وقال الأصمعي: لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلاً حتى يروي أشعار العرب، ويسمع الأخبار، ويعرف المعاني، وتدور في مسامعه الألفاظ. وأول