فأي شيء أبعد استعارة من صوت المال؟ فكيف حتى بح من الشكوى والصياح مع ما أن له صوتاً حين يوزن أو يوضع؟ ولم يرده أبو نواس فيما أقدر؛ لأن معناه لا يتركب على لفظه إلا بعيداً، وكذلك قول بشار:
وجدت رقاب الوصل أسياف هجرها ... وقدت لرجل البين نعلين من خدي
فما أهجن " رجل البين " وأقبح استعارتها!! ولو كانت الفصاحة بأسرها فيها، وكذلك " رقاب الوصل: ولا مثل قول ابن المعتز وهو أنقد النقاد:
كل وقت يبول زب السحاب
فهذا أردأ من كل رديء، وأمقت من كل مقيت.
قال القاضي الجرجاني: الاستعارة ما اكتفى فيها بالاسم المستعار عن الأصلي، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها بقرب التشبيه، ومناسبة المستعار للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر.
وقال قوم آخرون منهم أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع: خير الاستعارة ما بعد، وعلم في أول وهلة أنه مستعار، فلم يدخله لبس، وعاب على أبي الطيب قوله:
وقد مدت الخيل العتاق عيونها ... إلى وقت تبديل الركاب من النعل
إذ كانت الخيل لها عيون في الحقيقة، ورجح عليه قول أبي تمام:
ساس الأمور سياسة ابن تجارب ... رمقته عين الملك وهو جنين
إذ كان الملك لا عين له في الحقيقة.
وقال أبو الفتح عثمان بن جني: الاستعارة لا تكون إلا للمبالغة، وإلا فهي حقيقة، قاله في شرح بيت أبي الطيب: